احتفالات يوم عاشوراء: تقاليد وأكلات مميزة

يعتبر يوم عاشوراء، الذي يأتي في العاشر من شهر المحرم وفقًا للتقويم الهجري، يومًا ذا مكانة دينية وتاريخية رفيعة لدى المسلمين في مختلف أنحاء العالم العربي. فهو ليس مجرد يوم للصيام والعبادة فقط، بل يحمل في طياته عادات وتقاليد شعبية متنوعة تختلف من دولة لأخرى.
في هذا اليوم، يتجمع الأهل والأصدقاء حول موائد مليئة بأطباق تقليدية خاصة، حيث تبرز أكلات معينة تحمل رمزية دينية أو اجتماعية. وتعد هذه الأطباق تجسيدًا للتراث الشعبي الذي يعزز الروابط الأسرية ويعبر عن قيم الكرم والمشاركة.
أطباق متنوعة تعكس التنوع الثقافي
سنتعرف في هذا التقرير على أبرز الأكلات التي تميز موائد يوم عاشوراء في الدول العربية، والتي تعكس تنوع الثقافات والمذاقات في المنطقة.
مصر: طبق "عاشوراء" الحلوى الأبرز
في مصر، يُعتبر طبق "عاشوراء" الحلوى من أبرز الأطباق التي تُقدم خلال هذا اليوم. يتكون هذا الطبق من القمح الكامل المطبوخ مع الحليب والسكر، وعادةً ما يُزين بجوز الهند والزبيب والمكسرات. يُقال إن أصل هذه الحلوى يعود إلى العصور الفاطمية، حيث كان يُوزع الطعام والحلوى على الفقراء في المناسبات الدينية.
يعكس هذا الطبق روح المشاركة والتكافل، حيث تظل بعض الأسر تُعد كميات كبيرة من حلوى عاشوراء لتوزيعها على الجيران والأصدقاء. ويُعتقد شعبيًا أن تناول القمح في هذا اليوم يجلب البركة والخير.
بلاد الشام: القمح المسلوق و"الهريسة"
في سوريا ولبنان وفلسطين والأردن، تختلف الأطباق الخاصة بيوم عاشوراء من منطقة لأخرى، ولكنها غالبًا ما ترتبط بالحبوب، لا سيما القمح والعدس. في سوريا، يُعرف طبق "الهريسة" في بعض المناطق، وخصوصًا لدى الطوائف الشيعية، وهو يتكون من القمح المهروس المطبوخ مع اللحم، ويُطهى لساعات طويلة حتى يتجانس المزيج ويصبح كثيفًا.
أما في فلسطين، فيُحضَّر طبق القمح المسلوق مع الحمص والسكر، ويضاف إليه أحيانًا القرفة والمكسرات، ليُقدّم كنوع من الحلوى الخفيفة.
العراق: "شوربة الحُب" و"الهريسة" الحسينية
في العراق، خصوصًا بين الشيعة، يحتل يوم عاشوراء مكانة روحية عظيمة ترتبط بإحياء ذكرى استشهاد الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء. تنتشر "مواكب الخدمة" في الشوارع التي تقوم بطهي الطعام وتوزيعه مجانًا على الناس.
من أشهر الأطباق في هذا اليوم "الهريسة"، وهي قمح مطبوخ باللحم يُهرس جيدًا، ويُطهى لساعات طويلة حتى يصبح قوامه كثيفًا. وتُعتبر الهريسة طبقًا رمزيًا يُعبر عن الصبر والتحمل.
هناك أيضًا طبق "شوربة الحب"، وهي حساء من القمح أو الشعير، يضاف إليه الحمص والعدس والتوابل.
إيران والبحرين: أطعمة عاشورائية بطابع خاص
رغم أن إيران ليست دولة عربية، إلا أن تأثير تقاليدها امتد إلى بعض دول الخليج مثل البحرين، حيث تنتشر "الطبخات العاشورائية" التي تُعدّ في مواكب ضخمة وتُوزع على الناس مجانًا.
تشمل أشهر الأطباق في البحرين "الهريس" و"اللحم بالعجين"، وتُقدم مع الأرز أو الخبز المحلي، مما يجعلها جزءًا من الطقوس الاجتماعية والدينية في هذا اليوم.
تونس: "السويق" ومأكولات القمح
في تونس، يحتفل بعاشوراء بطابع عائلي واجتماعي، ومن العادات تحضير طبق "السويق"، الذي يتكون من القمح المحمص والمطحون والممزوج بالسكر وزيت الزيتون أو الزبدة. يُقدم للأطفال والكبار على حد سواء.
المغرب والجزائر: العصيدة وحلويات الحبوب
في المغرب، يُقدَّم "الكسكس بالقديد" (اللحم المجفف) في بعض المناطق يوم عاشوراء، إلى جانب العصيدة التي تُحضر من دقيق القمح أو الشعير المطبوخ مع الماء والحليب، وتُحلى بالعسل أو التمر. في الجزائر، يُعد طبق "البركوكس" وهو شبيه بالكسكس، ويُطهى بالمرق واللحم والخضار.
السودان: العصيدة بالويكة أو الملاح
في السودان، يتميز يوم عاشوراء بتحضير العصيدة، وهي طبق تقليدي مكون من دقيق الذرة المطبوخ حتى يتماسك، وتُقدم مع "ملاح الويكة" أو "الروب"، وهي صلصات سودانية غنية بالتوابل المحلية. كما يُحضر "الفتة" أو أطباق الفول والعدس.
ويُعتبر الطعام في هذا اليوم وسيلة لتجميع العائلة وتعزيز الروابط الاجتماعية، حيث تقوم بعض الأسر بتوزيع الطعام على الجيران والمحتاجين.
شراب التوت الحلقة 103
ويبقى إعداد الطعام في يوم عاشوراء أكثر من مجرد طقس، بل هو رسالة حب وعطاء، تمثل الامتداد الحيّ للتراث الشعبي في قلب المجتمعات العربية.